الفتاوى الشرعية

2025-11-24 12:41:02

تعليق الطلاق على المستحيل هل يقع أم لا يقع؟

تعليق الطلاق على المستحيل هل يقع أم لا يقع؟
السؤال: 762 / الروض المربع: كتاب الطلاق، جاء في الروض المربع:
")و( إن قال: )أنت طالق إن طِرْتِ، أو صعدت السماء، أو قلبت الحجر ذهباً، ونحوه من المستحيل( لذاته، أو عادة؛ ك: إن رددت أمس، أو جمعت بين الضدين، أو شاء الميت، أو البهيمة؛ )لم تطلق( لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد".
ثم قال بعدها: ")و( إن قال لزوجته: )أنت طالق( إن شاء الله )أو( قال: )عبدي حر إن شاء الله( أو إلا أن يشاء الله أو ما لم يشأ الله، ونحوه )وقعا( أي: الطلاق والعتق؛ لأنه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فبطل كما لو علقه على شيء من المستحيلات". في العبارة الأولى جعل التعليق على المستحيل لا يقع به الطلاق، وفي الثانية جعل التعليق على
المستحيل يقع به الطلاق، فما وجه التفريق بينهما؟

 

أجاب الشيخ د. عبد الرحمن العسكر/ الجواب عن ذلك  والله أعلم  بذكر ما قاله موفق الدين أبو محمد ابن قدامة في كتاب "المغني" فقد نقل البهوتي في "الروض" تعليل المسألتين  فيما يظهر  منه حيث قال ابن قدامة في الصورة الأولى وهي التعليق على المستحيل ) 10 / 474  475 :) فإن علق الطلاق على مستحيل، فقال: أنت طالق إن قتلت الميت، أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه، أو: جمعت بين الضدين، أو: كان الواحد أكثر من اثنين، أو على ما يستحيل عادة، كقوله إن طرت، أو: صعدت إلى السماء، أو: قلبت الحجر ذهباً، أو: شربت هذا النهر كله، أو: حملت الجبل، أو: شاء الميت، ففيه وجهان؛ أحدهما، يقع الطلاق في الحال؛ لأنه أردف الطلاق بما يرفع
جملته، ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني، فلم يصح، كاستثناء الكل، وكما لو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك، أو: لا تنقص عدد طلاقك .
والثاني: لا يقع؛ لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد، ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال، كقوله إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب أي لا آتيهم أبداً.
وقيل: إن علقه على ما يستحيل عقلاً، وقع في الحال؛ لأنه لا وجود له، فلم تعلق به الصفة، وبقي مجرد الطلاق، فوقع، وإن علقه على مستحيل عادة، كالطيران، وصعود السماء، لم يقع؛ لأن له وجوداً وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء  عليهم السلام  وكرامات الأولياء، فجاز تعليق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده.

 

وقال في المسألة الثانية في تعليق الطلاق بالمشيئة ) 10 / 472  473 :)
فإن قال: أنت طالق  إن شاء الله تعالى  طلقت زوجته، وكذلك إن قال: عبدي حر  إن شاء الله تعال ى  عتق، نص عليه أحمد، في رواية جماعة، وقال: ليس هما من الأيمان، وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن، ومكحول، وقتادة، والزهري، ومالك، والليث، والأوزاعي، وأبو عبيد.
وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع، وكذلك العتاق، وهو قول طاووس، والحكم، وأبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها، فلم يقع، كما لو علقه على مشيئة زيد، وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : "من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، لم يحنث" رواه الترمذي، وقال حديث حسن .
ولنا، ما روى أبو جمرة، قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، فهي طالق، رواه أبو حفص بإسناده ]وعن أبى بردة نحوه[ وروى ابن عمر، وأبو سعيد، قالا: كنا معاشر أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نرى الاستثناء جائزاً في كل شيء، إلا في العتاق والطلاق، ذكره أبو الخطاب، وهذا نقل للإجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم فانتشر، ولم يعلم له مخالف، فهو إجماع، ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق، فلم يصح، كقوله: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً ولأنه استثناء حكم في محل، فلم يرتفع بالمشيئة، كالبيع والنكاح، ولأنه إزالة ملك، فلم يصح تعليقه على مشيئة الله، كما لو قال: أبرأتك إن شاء الله، أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه، فأشبه تعليقه على المستحيلات. أ.ه.
فتبين بهذا أن الشيخ البهوتي في المسألة الأولى حكم بعدم وقوع الطلاق إذا علقه على المستحيل آخذاً بالوجه الثاني في المذهب؛ لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد؛ ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال، ولم يفرق البهوتي بين المحال عقلاً والمحال عادة، كما في القول الثالث.
ثم لما ذكر المسألة الثانية وهي تعليق الطلاق بالمشيئة اختار البهوتي القول بوقوع الطلاق، واكتفى في الاستدلال بذكر شبهه بالتعليق على المستحيل في وقوع الطلاق به وهو الوجه الأول الذي أشار له في المسألة الأولى، لكنه لم يقل به، وترك بقية الأدلة.
ولعل سبب أخذه في المسألة الثانية بوقوع الطلاق، هو كثرة الأدلة الدالة على ذلك من قول الصحابة حتى عُدَّ إجماعاً منهم، وهو رواية الجماعة عن الإمام أحمد القول بوقوعه، ومن أدلتهم مشابهته بالتعليق على المستحيل.
هذا ما ظهر لي في التفريق بين المسألتين.
والله أعلم.
نشرت بتاريخ: الأربعاء 27 / 12 / 2023  14 / 6 / 1445 ه.


📄 اضغط لمشاهدة الملف

مقالات ذات صلة